[ |
موائد الإفطار ملتقى لكل الطوائف بهولندا |
حول موائد الإفطار الرمضانية الممدودة في معظم المدن الهولندية، يجتمع
مواطنون هولنديون مسلمون وغير مسلمين، يتبادلون الحكايات والمعلومات التي
تبدأ بالسؤال عن مكونات الأكلات الرمضانية المقدمة، وتمتد إلى السؤال عن
الحكمة من الصوم، ودوره في تحقيق التكافل الاجتماعي بين المسلمين وغيرهم،
تتخللها قفشات وضحكات على نوادر يطلقها الجالسون لتشيع أجواء من البهجة
والتلاقي بين أبناء الوطن الواحد.
هذا
المشهد الذي يتكرر للسنة الرابعة على التوالي هو أحد فعاليات "مهرجان
رمضان" السنوي المتواصلة على مدار أيام الشهر الفضيل، وتتضمن أيضا حضور
الآلاف من الهولنديين من كافة الديانات والثقافات ندوات وورش عمل وعروضا
فنية تهدف إلى مد جسور التواصل بين المسلمين وغيرهم وتحرير صورة المسلم من
إطارها "الإرهابي" السجينة بداخله في عقول الغرب منذ تفجيرات 11 سبتمبر
2001. وتنعقد
دورة مهرجان هذا العام، التي تنظمها 150 منظمة إسلامية ومسجدا، وكذلك
منظمات غير إسلامية، بدعم من الحكومة الهولندية، تحت شعار "من التلاقي إلى
تواصل لا ينقطع"؛ حيث تهدف إلى عقد اللقاءات بين أفراد ينتمون إلى خلفيات
ثقافية ودينية متنوعة، كمنطلق نحو تواصل لا ينقطع على موائد الإفطار وفي
الندوات وورش العمل، والمشاركة في تقديم واجبات الضيافة.
ويقول
إدريس سراجي أحد المسئولين عن تنظيم المهرجان بمدينة بريدا الهولندية، إن
مهرجان رمضان وما يرافقه من أنشطة ذات طابع ثقافي "يسهم فعلا في تقريب
وجهات النظر، وإزاحة الصورة النمطية السلبية عن المسلمين".
ويستدل
على "نجاح المهرجان" في تحقيق هذا الهدف بأنه منذ بدأ يشارك في المهرجان
قبل سنتين يلاحظ تصاعد رغبة الاطلاع على الثقافة الإسلامية لدى الهولنديين
الذين يشاركون المسلمين موائد إفطارهم، وهناك عائلات مغربية تستضيف على
مائدة الإفطار جيرانهم الهولنديين؛ مما يسهم في خلق حوار يبدأ عن اسم
الأكلة وكيفية تحضيرها، إلى الحديث عن الثقافة والدين.
ومن
الهولنديين الذين تعرف سراجي عليهم على موائد الإفطار من دفعه فضوله
لمعرفة المزيد عن ثقافة المسلمين ودينهم إلى الانتظام في دروس خاصة
بالإسلام تنظمها جامعة تيلبورخ.
ويعد
الموقع الإلكتروني لـ"مهرجان رمضان" الذي يشرف عليه عدد من الجمعيات
الإسلامية بالتعاون مع بلدية أمستردام من أكثر المواقع استقطابا للزوار من
المسلمين وغير المسلمين، حيث تلقى آلاف الأسئلة حول شهر رمضان وأحكام
الصوم، بحسب القائمين على الموقع.
القشور
ومع
الترحيب بالمهرجان وأهدافه إلا أنه لم ينجُ من التعرض للنقد في الآونة
الأخيرة، حيث اتهمه ناقدوه بتشجيع البذخ في الإنفاق على أنشطته التي تمول
بعضها شركات تجارية حوَّلته إلى ملتقى يسعى للربح التجاري، بحسب تعبيرهم.
ويرى
هؤلاء أن المهرجان يؤدي في صورته الحالية إلى تعميق الفجوة بين المسلمين
وغيرهم، ولا يخدم بحال من الأحوال قضايا المهاجرين، ولا فكرة التكافل
الاجتماعي التي يدعو لها رمضان.
وفي
هذا الإطار يقول فريد أولاد لحسن من جمعية صوت الديمقراطيين المغاربة
بهولندا في تصريح لإذاعة هولندا العالمية: "إن هكذا مهرجان ما هو إلا حدث
تجاري لا يخدم جوهر رمضان".
وذهب
لأبعد من هذا قائلا: إن المهرجان "يخدم الأجندة السياسية لليمين المتطرف
بهولندا بتركيزه على القشور وتجاهل المشاكل الأخرى التي يعاني منها
المهاجرون، وخاصة من الجيلين الثاني والثالث، في ميادين العمل والتعليم
وغيرهما".
ولكن
يرى مراقبون أن المرحبين بالمهرجان أكثر بكثير من ناقديه، مستشهدين بأعداد
المشاركين المتزايدة فيه، وانتقال فكرة المهرجان خارج الحدود الهولندية
إلى بلدان أخرى في أوروبا.
دول أخرى
وبحسب
ما نشرته إذاعة هولندا العالمية على موقعها الإلكتروني فقد أدى "النجاح
الكبير" للمهرجان في دوراته الثلاث الماضية من (2005 – 2007) إلى امتداده
نحو دول أوروبية أخرى، أحدثها بريطانيا التي أطلقت هذا العام فعاليات
مهرجانها الرمضاني الأول لتحقيق نفس الأهداف.
ويشرف
القائمون على المهرجان أيضا على إقامة مهرجانات رمضانية في بلجيكا
والدنمارك وسورينام، ومؤخرا بريطانيا التي يدعم مهرجانها سفارات وقنصليات
هولندا ومصر وباكستان والولايات المتحدة والجزائر، إضافة إلى العديد من
المراكز والمنظمات الإسلامية والمؤسسات الإعلامية.
وانطلقت
الدورة الأولى للمهرجان في عام 2005 بعد عامين من قيام شاب من أصول مغربية
باغتيال المخرج الهولندي تيو فان خوخ في نوفمبر 2003؛ انتقاما من إخراج
الأخير فيلما مسيئا للإسلام، وهو ما أعطى الفرصة اليمين المتطرف لشن حملات
تتهم المسلمين بأنهم يشكلون خطرا أمنيا على البلاد.